سوريا بعد ثلاث سنوات من الحرب ... الوضع الراهن وآفاق المستقبل (تقدير موقف)
مع دخول الأزمة السورية عامها الرابع، يطرح السؤال عن سر قدرة النظام على البقاء في موقعه رغم اشتداد هبوب الرياح العاتية، ومن أين يستمد النظام قوته، وفي ظني أن الإجابة على هذا السؤال، تستوجب التوقف أمام المعطيات التالية:
- أولاً: تماسك مؤسسات النظام الأمنية والعسكرية والسياسية وإلى حد كبير، المدنية والاجتماعية، بالاستناد إلى تجربة تاريخية في زرع رموز موالية، حزبياً (بعثيين) وطائفياً (علويين) في المفاصل الرئيسية للدولة بأجهزتها وأذرعها الأمنية والعسكرية، وقد ثبت أن هذه السياسة ناجعة في حفظ تماسك المؤسسات، إذ لم تسجل أية انشقاقات نوعية جماعية عن النظام والدولة كما حصل في دول أخرى (اليمن، ليبيا مثلاُ)، كما أن الجيش لم يمتنع عن القتال إلى جانب النظام ودفاعاً عنه، كما في حصل في كل من (مصر وتونس)
- ثانياً: للنظام حلفاء أقوياء، إقليمياً (إيران وحزب الله)، ودولياً (روسيا)، والأهم أن لهؤلاء الحلفاء مصالح استراتيجية في سوريا، تجعلهم يقدمون كل أشكال الدعم، ومن دون تردد للنظام، وهذا حصل رغم استطالة أمد الحرب في سوريا ... لم يبخل الحلفاء بالسلاح (روسيا وإيران) ولا بالمال والرجال (إيران وحلفائها في العراق ولبنان)، كما أن حلفاء النظام وفروا له شبكة أمان دولية (روسيا في مجلس الأمن)، وإقليمياً (إيران – منظمة التعاون الإسلامي، فضلاً عن دول أخرى كالعراق والجزائر وبدرجة أقل لبنان)
- ثالثاً: طغيان الطابع الأصولي المتشدد "السلفي الجهادي/ الإرهابي" على الفصائل المسلحة الرئيسة للمعارضة، أثار هلع الأقليات في سوريا (30 بالمائة من السكان)، فضلا عن الطبقات الوسطى وتجار دمشق وحلب وحمص، وفئات من المثقفين والأكاديميين، الذين وإن كانوا ليسوا مع النظام، إلا أن المؤكد أنهم ضد جماعات مثل "داعش" و"النصرة" و"الجبهة الإسلامية" بمكوناتها المختلفة، ما مكن النظام من الاستناد إلى قاعدة شعبية، لا تقل في أدنى التقديرات عن نصف الشعب السوري، وهذه قاعدة لا تتوفر للمعارضة بمختلف تياراتها، كما أنها لم تتوفر لنظام من الأنظمة التي انهارت في سياق "الربيع العربي".
- ارتفاع منسوب التدخل التركي/ السعودي/ القطري في مجريات الأزمة السورية، خلق إحساساً بالكرامة الوطنية والقومية عن كثيرٍ من السوريين، سيما وأن هذه الدول التي تدعم ثورة الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة، هي ذاتها تفتقد للحرية (السعودية وقطر)، أما التدخل التركي فقد أيقظ كل مخزونات النزاع التاريخي بين البلدين، وأعاد ذكريات الاسكندرون والمطامع التركية في سوريا (شمالها بشكل خاص) فضلاً عن أسلوب "الاهتياج" الذي أدار به كل من أردوغان وأوغلوا مجريات الصراع في سوريا
- البعد الإسرائيلي الحاضر بقوة في الأزمة السورية، وتنامي الأخبار والتقارير والمعلومات عن زيادة التورط الإسرائيلي في مجريات الصراع الداخلي في سوريا (غارات، اغتيالات، اتصالات مع المعارضة، معالجة جرحى المعارضة في المستشفيات الإسرائيلية)، وزاد الطين بلة، قيام واشنطن بالإشراف مع السعودية وقطر وتركيا بتمويل وتدريب جماعات، ليس لها وزن يذكر في الشارع السوري، ومحاولات "نفخها" لتكون الممثل الشرعي الوحيد للمعارضة السورية السياسية والمسلحة.
- خشية الغرب وتردده في الحسم العسكري، مقابل مرونة النظام في التعامل مع الملف الكيماوي، جميعها أوراق لعبت دوراً في إعطاء النظام وأنصاره الأمل في الانتصار في نهاية المطاف، بل وساهم في تمكينه من شن هجمات استراتيجية مضادة كما حصل في مناطق ريف دمشق والغوطتين وحمص والقلمون.
- استطالة أمد الحرب، مكنت النظام، من إعادة هيكلة وتدريب قواته المسلحة، ورفدها بأكثر من مائة ألف من قوات الحماية الوطنية "ميليشيات"، ما أدى إلى زيادة كفاءة القوات المسلحة في التعامل مع المسلحين، وتمكين القوات شبه النظامية من إدارة المناطق التي يسترجعها الجيش من المسلحين حتى لا يعودوا إليها كما كان يحصل في السابق ... الجيش السوري يقاتل اليوم (منذ سنة تقريباً) بتكتيكات وتشكيلات ومعنويات مختلفة.
- ارتفاع منسوب العمل الاستخباري والأمني، ونجاح النظام، بدعم إيراني روسي مباشر، من تطوير منظومات جمع المعلومات الميدانية عن المسلحين، مكن الجيش من تحقيق ضربات قاسية في صفوف المعارضة، وإرباك خططها وقطع الطريق على هجماتها المتكررة، خصوصاً في محيط العاصمة دمشق.
- الاقتصاد السوري، بدور كان أقرب للاقتصاد الطبيعي، غير المرتبط عضوياً بالاقتصاد العالمي، سوريا بعد سنوات وعقود من العزلة والعقوبات، طورت اقتصادات محلية، زراعية وصناعية خاصة بها، لا مشكلة ديون في سوريا، تأكل مما تنتج تقريباً، وتلبس مما تصنع تقريباً، هم بذلك أقرب للنموذج الإيراني، لذا جاءت فاعلية العقوبات الدولية محدودة، وأمكن للنظام أن يتعايش معها، برغم الصعوبات المترتبة عليها.
- لكل هذه الأسباب، بدا أن النظام عصياً على الإسقاط والإطاحة، ومع مرور وقت أطول في عمر الأزمة السورية، تتراجع احتمالات إسقاط النظام، بل وتتراجع رغبة كثير من خصومه في العمل على إسقاطه، ويزداد قلقهم من صعود القوى الإرهابية والسلفية الجهادية ... والأرجح أن الأسد باق في السلطة، لعدة سنوات قادمة على الأقل.
الاقتصاد السوري:
- النظام السوري يتعامل مع بيانات الاقتصادية بوصفها واحدة من أسرار الأمن القومي، لا يجري الإفراج إلا عمّا يريده النظام، ويجري التعامل مع الاقتصاد السوري، بوصفه اقتصاد حرب
- انخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي ثلاثين مليار دولار مؤخراً، هبوطاً من 60 مليار دولار قبل اندلاع الأزمة، كما أن العملة الوطنية فقد أكثر من 65 بالمائة من قيمتها عمّا كانت عليه قبل الحرب
- من أصل 23 مليون سوري، هناك 2.5 مليون لاجئ خارج سوريا، وثلاثة أضعافهم نازح داخل سوريا، بين المحافظات، أكثر من ربع السوريين تحت خط الفقر المدقع، ونسبة البطالة تكاد تصل إلى خمسين بالمائة، وهي من أعلى النسب في العالم.
- الانهيار الأبرز كان في قطاع النفط، من قرابة نصف مليون برميل يومياً إلى أقل من 20 ألف برميل، فيما استولى مسلحو داعش والنصرة والأكراد، على معظم آبار النفط الرئيسة... قطاع السياحة ضرب بصورة كبيرة، وكذا القطاع الصناعي وتحديداً في منطقتي حلب وحمص.
- إيران تعوض سوريا عن احتياجاتها من النفط والمشتقات، السوق السوري بحاجة لـ 150 ألف برميل يومياً، لا ينتج منها سوى 20 ألف برميل في مناطق خاضعة للنظام، ويضاف إليها كميات غير معروفة تنتجها المعارضات المسلحة، وتباع في السوق المحلي ويصدر جزء منها إلى تركيا
- الاحتياطي من العملات الأجنبية انخفض من 18 مليار دولار قبل الحرب إلى ما يقرب من 4 مليارات بعد ثلاث سنوات من الأزمة، هناك من يقول أن لدى النظام احتياطات غير معلن عنها.
- قبل الأزمة، كان لدى سوريا أكثر من 25 طن من الذهب، وكانت السابعة عربيا في احتياطياتها من الذهب، لا أحد يعرف كم تبقى من هذه الكمية، لا سيما وأن سوريا شرّعت التداول بالليرة الذهبية، ويباع يومياً في سوريا عشرين كيلو من الذهب.
- تقارير المنظمات الدولية تشير إلى أن خسائر سوريا تعادل المائة مليار دولار، وأنها بحاجة لثلاثين عاماً لتعود إلى ما كانت عليه قبل الحرب، بافتراض معدل نمو سنوي ثابت 5 بالمائة، وهذا امر متعذر، ولا يأخذ بعين الاعتبار مخزنات الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط من النفط والغاز.
- إيران فتحت خط ائتمان للواردات السورية بقيمة 7 مليارات دولار، لتمكين التجار والمستوردين من تغطية احتياجات السوق السوري، وهي تقوم بدورها في تدعيم احتياجات السوق السورية من النفط والمشتقات
- قبل الحرب، أعلنت سوريا "تصفير" ديونها الخارجية، الآن هناك أحاديث عن ديون بقيمة تراوح ما بين 7 – 10 مليارات دولار، غالبيتها لأصدقائها.
الجماعات المسلحة:
- القوى المعارضة، الضاربة عسكرياً، هي تحديداً: داعش، النصرة" الجبهة الإسلامية، جبهة ثوار سوريا، الجيش الحر تراجع ميدانيا وعسكريا، كثير من عناصره عادت إلى "حضن النظام"، وبعضها انتقل إلى الفصائل الجهادية الأخرى، أو اعتكف وهاجر
- داعش، تتمركز أساسا في شمال شرقي سوريا، في الرقة وأطراف الحسكة ودير الزور، وهي تحتفظ بالسيطرة على معابر حدودية مع العراق، وقريبة من نقاط الحدود مع سوريا، وهي تحاول الاقتراب من درعا وبعض جبهات القتال الساخنة، وهي الأولى لجهة استقطاب العناصر الجهادية الأجنبية، والتنظيم يعاني اليوم عزلة دولية، ويعتبره الظواهري مجموعة من الخوارج
- "النصرة"، تسيطر على مساحات واسعة في ريف حلب وإدلب، وكان لها حضور في حمص والقلمون قبل أن يفرض النظام سيطرته، ولها حضور في ريف دمشق والغوطة الشرقية، كما أنها القوة الرئيسة على جبهة كسب – ريف اللاذقية شمالاً، وعلى جبهة درعا – القنيطرة جنوباً، وتعد ثاني تنظيم جهادي من حيث استقطابه للعناصر الجهادية الأجنبية، وهي اليوم الفرع الرسمي الوحيد للقاعدة في سوريا، وتحظى بعلاقات مع مختلف أطراف المعارضة السورية، بمن فيها الإخوان المسلمين والمجلس الوطني والائتلاف الوطني، تلقى دعماً من شبكات وجمعيات سلفية في كل مكان، خصوصاً الكويت (ليس من الحكومة)
- الجبهة الإسلامية تنتشر في المناطق التي تنتشر فيها النصرة، وهي على صلة تعاون معها، وهي الأقل استقبالاً للعناصر الجهادية الأجنبية، ومن أبرز قادتها الميدانين زهران علوش المعروف بارتباطاته مع السعودية، تلقى دعماً سعودياً واضحاً، ماليا وعسكريا
- جبهة ثوار سوريا، نشأت حديثاً من ائتلاف عدة قوى، في مواجهة داعش بشكل خاص، في ريفي إدلب وحلب، ويقودها جمال معروف الذي تتوزع ولاءته بين قطر والسعودية.
- النظام نجح في تسديد ضربات قوية للمعارضة المسلحة، استعادة القصير ويبرود والحصن ورنكوس، ومن قبلها تل كلخ ودير عطية والنبك، قطّع أوصال المعارضة في المنطقة الغربية الممتدة من العاصمة إلى الساحل السوري، مرورا بحمص والحدود اللبنانية
- النظام نجح في إضعاف المعارضة بصورة جوهرية في الغوطتين الشرقية والغربية وريف دمشق، هناك جيوب قوية للمعارضة في دوما وجوبر والزبداني ومحيط مخيم اليرموك، بخلاف ذلك، تبدو الصورة لصالح النظام في العاصمة
- المعركة المقبلة في حلب، وإحكام السيطرة على حمص المدينة، بالذات أحياءها القديمة، والنظام يسعى لإنجاز ذلك قبل الانتخابات الرئاسية، وهو يعتمد تكتيك "القضم المتدرج" من جهة، وفتح الباب من جهة أخرى للمصالحات الوطنية، التي أعادت له كثير من المناطق من دون قتال، خصوصاً تلك التي لا يتواجد فيها مجاهدون أجانب.
- المعركة طويلة، المعارضة لم تعد في وضع استراتيجي مهدد للنظام، وسيكون من الصعب على النظام اجتثاث المعارضة، ولذلك يدور الحديث عن سنوات قادمة من القتال، إن لم يجر التوصل لحل سياسي للأزمة السورية.
المعارضة السياسية:
- وضع المعارضة السورية السياسية بات معروفاً للقاصي والداني، هي ضعيفة ومبعثرة، ومنقسمة على نفسها، وفي حروب دائمة حول من الأجدر والأولى بتمثيل الشعب السوري
- معظم، إن لم نقل جميع فصائل المعارضة السياسية، في الداخل والخارج، لا نفوذ شعبياً يذكر لها، معارضة الداخل تتشكل من أحزاب وفصائل أكل عليها الدهر وشرب، أما معارضة الخارج (باستثناء الإخوان المسلمون)، فهم مجموعة من الشخصيات التي لا قواعد شعبية صلبة لها في الداخل.
- الائتلاف، باستثناء الإخوان، هو منتدى لشخصيات، أكثر منه لقاء أحزاب، تمكنت السعودية من تحجيم النفوذ القطري عليه، مع انتخاب أحمد الجربا وضم اتحاد الديمقراطيين (ميشيل كيلو وجماعته) إليه، ومع اندلاع الخلاف بين الحليفين (الجربا وكيلو) أقصي الأخير عن الهيئة السياسية وكل من يمت له بصلة، وأمكن للجربا أن يكسب الجولة في الانتخابات الأخيرة، كما استعاد حلفاء قطر بعض نفوذهم في الهيئة السياسية، حيث يقوم مصطفى الصباغ التيار القطري داخل الائتلاف.
- لا تأثير مباشر للمعارضة السياسية على الفصائل المسلحة، هناك صلات بين الائتلاف والجيش الحر، لكن الجيش الحر نفسه، لم يعد مؤثراً وفاعلاً، ثم أن موزع على كتائب وألوية تعمل باستقلال ذاتي
- المعارضة الداخلية رفضت العسكرة والتدخل الأجنبي من البداية، لذلك لا تأثير لها على الفصائل المسلحة، ولكنها تميز بين الجيش الحر وبقية الجماعات السلفية، ترفض الأخيرة، وتجد عذراً للمنشقين عن الجيش السوري، وتطالب بإعادة تأهيلهم ضمن جيش وطني بعد المصالحة والحل السياسي.
مواقف القوى الإقليمية والدولية:
الولايات المتحدة:
- التدخل العسكري بالمعنى العسكري الواسع في سوريا، لم يعد خياراً، النقاش يدور حول المستوى الذي يتعين فيه دعم المعارضة المسلحة، كمياً ونوعياً، ومن هي المعارضة التي تستحق الدعم، حتى لا تنتقل الأسلحة النوعية إلى "الأيدي الخطأ"
- الولايات المتحدة، قررت رفع منسوب دعمها للمعارضة المسلحة، قبل مؤتمر جنيف 2 وبالأخص بعده، لكنها ما زالت تبحث عن معارضة معتدلة، لاجئون سوريون من غير الإسلاميين، يجري تجنيدهم وفحص سجلاتهم بالتعاون مع المعارضات السورية السياسية، وبتنسيق أمني مع الدول ذات الصلة، ويجري تدريبهم على دفعات، في الأردن بخاصة، مجموع من جرى تدريبهم يتراوح ما بين 2000 – 3000 مقاتل، مسلحين بأسلحة نوعية، بما فيه مضادة للدروع، أما الأسلحة المضادة للطائرات والتي تطلق من الكتف، فواشنطن ما زالت تعارض تزويد المعارضة بها، برغم طلب الملك عبد الله بن عبد العزيز من أوباما في أثناء زيارة الأخير للرياض مؤخراً
- واشنطن ليست على عجلة من أمرها في معالجة الملف السوري، لا سياسياً ولا عسكرياً، الأزمة السورية لا تحتل مكانة متقدمة على جدول أعمال الإدارة الأمريكية، بخلاف أوروبا وبعض دول الإقليم وروسيا ... لذا من المتوقع أن تتباطأ مسيرة جنيف أكثر مما عليه
- واشنطن قلقة من الجهاديين بصورة لا تقل عن قلقها من بقاء الأسد في السلطة، وهي تعمل اليوم على احتواء تقدم قوات الأسد على الجبهات الرئيسة، بهدف تحسين موازين القوى قبل جنيف 3، لكنها لا تضع استراتيجيات تهدف إلى إسقاط النظام، وإحداث التغيير بالقوة
- واشنطن معنية بنزع أسلحة النظام الكيماوية وإضعاف قواته المسلحة، والحيلولة دون تمكين حزب الله من أسلحة نوعية، أو انتقال هذه الأسلحة إلى القاعدة بمسمياتها المختلفة.
- ليست لدى واشنطن، كما يجمع المراقبون استراتيجية لحل الأزمة السورية، لديها استراتيجية لإدارتها واحتواء تداعياتها لا أكثر
بريطانيا:
- لا استراتيجية خاصة لبريطانيا حيال سوريا، هناك استراتيجية أمريكية، تتبناها بريطانيا في هذا المجال، لندن تسير على خطى واشنطن في هذا الملف، وتولي اهتماماً أكبر لاستعادة علاقاتها مع إيران، وهي تتطلع للسوق الإيراني الكبير، أما في سوريا، فعين بريطانيا على خطط إعادة الإعمار واستثمارات النفط والغاز في البحر المتوسط
- بريطانيا، تكاد تكون أصيبت باليأس من المعارضة السورية المفتتة والمبعثرة، وهي أوقفت جهودها لتوحيد المعارضة، وهي أكثر خشية من واشنطن من مغبة ارتداد الأزمة السورية على أمنها، خصوصاً وأن كثيرين من إرهابيين أوروبا الناشطين في سوريا جاؤوا من المملكة المتحدة.
فرنسا:
- الدولة الأوروبية الأكثر حماسة لتغيير النظام في سوريا، لكن ليس لديها الأدوات لفعل ذلك
- اختارت باريس أن تكون دائماً سباقة في طرح المواقف المتشددة من أزمتي إيران وبرنامجها النووي والأزمة السورية.
- بخلاف معظم الدول الغربية، تسعى فرنسا لفرض أسماء ورموز محسوبين عليها، ويحملون جنسيتها على الأطر القيادية للمعارضة، مثل برهان غليون وبسمة قضماني وغيرهما
- فرنسا متحمسة للتدخل العسكري روفع مستوى تسليح المعارضة، لكنها قادرة على فعل ذلك بسبب الحذر الأمريكي والأوروبي عموماً
- سجلت السياسة الفرنسية تراجعاً نسبياً عن الاهتمام بالملف السوري بعد أن ارتفع منسوب القلق في باريس من صعود القاعدة وخطر الإرهاب من سوريا، هناك مقاربة أكثر هدوءً للملف السوري
تركيا:
- تركيا متورطة مباشرة في ثنايا الأزمة السورية، ليس من خلال سياسة البوابات المفتوحة للمجاهدين والسلاح الذي يتدفق إلى سوريا عبر الحدود التركية، بل من خلال القيام بتوفير تغطية نارية لهجمات المعارضين، بمن فيهم النصرة، على محاور كسب – ريف اللاذقية، وجبهتي ريف حلب وإدلب
- ينظر أردوغان وحزبه إلى بقاء الأسد شخصياً في الحكم، بوصفه فشلاً شخصياً وحزبياً، لذا فتركيا الأكثر حماس للعسكرة والتسليح والحسم العسكري، والتقارير والتسريبات الأخيرة، تتهم تركيا بفبركة ذرائع لتسريع التدخل العسكري الدولي في سوريا
- لتركيا نفوذ على مختلف فصائل المعارضة، باستثناء داعش، بالنظر لحاجة كل المعارضة للتسهيلات الحدودية التركية، من الليبراليين والعلمانيين إلى النصرة، مروراً بالجيش الحر والمجلس والائتلاف
- نجحت المخابرات التركية في تجنيد الكثير من عناصر المعارضة السورية السياسية وكسب ولاءاتها، بالنظر لموقعها الحاسم في الأزمة السورية
- تركيا تخشى صعود الكيان الكردي في شمال شرقي سوريا، وبالذات، تخشى خضوع أكراد سوريا لنفوذ حزب العمال الكردستاني الذي عاد ليحتفظ بعلاقات جيدة مع النظام في دمشق
- كما أن تركيا تخشى تداعيات الأزمة السورية على نسيجها الداخلي، فبعد "المسألة الكردية" تواجه تركيا اليوم بروز "مسألة علوية" على أرضها، ما يهدد نسيجها الاجتماعي، وهي تعتقد أن بقاء الأسد، سيعزز تفاقم هذه المسألة، وقد خسر مرشحو العدالة والتنمية مقاعد إقليم هاتاتي / الاسكندرون في الانتخابات الأخيرة
السعودية:
- الداعم الرئيس لمعظم المعارضات السورية من سياسية وعسكرية، وقد أمكن لها إحكام قبضتها على الائتلاف، وهي تدعم الجبهة الإسلامية بفصائل المتعددة، وتحتفظ بعلاقات مع الجيش الحر والمجلس العسكري، فضلاً عن كونها داعم رئيس عبر طرق غير مباشرة، للنصرة، وكانت من داعمي داعش، قبل أن يقف العالم بأسره ضد هذا التنظيم
- الدولة التي تحتفظ بأعلى عدد من "المجاهدين" على الأرض السورية، تتفاوت التقديرات بهذا الشأن، ولكن هناك إجماع على أن السعوديين هم من أول الجنسيات من حيث العدد في صفوف المعارضين الوافدين
- الأكثر حماساً للتدخل العسكري منذ اندلاع الأزمة، الآن وبعد أن تبين هذا التدخل غير ممكن، أصبحت الأكثر حماساً لتسليح المعارضة بسلاح نوعي "كاسر للتوازن" بما في ذلك صواريخ أرض – جو تطلق من الكتف
- تحت ضغط الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، تراجعت السعودية بضع خطوات للوراء، وانتقلت إدارة الملف السوري من الأمير بندر إلى الأمير محمد بن نايف، للتعامل مع تنامي الخطر الإرهابي في سوريا ومنها
- ضغطت على الأردن من أجل فتح حدوده على مصراعيها للانتقال السلاح والمسلحين إلى داخل سوريا، وما زالت تضغط، لكن فشل الأمير بندر في إدارة الملف السوري، والانتكاسات التي منيت بها المعارضة المسلحة، أفقد حلفاء الرياض الثقة بقدرتها على إحداث تغيير جوهري في مسارات الأزمة السورية
- تنظر لسوريا، بوصفها حلقة في سلسلة النفوذ الإيراني، والحرب عليها جزء من المعركة مع إيران، لكن انفتاح الغرب على إيران، يدفع السعودية للتسليم بضرورة التعامل مع طهران، واستتباعاً، وربما بعد حين، مع حلفائها في المنطقة
- فشلت زيارة أوباما في تقريب المواقف الأمريكية – السعودية من سوريا، أوباما رفع النبرة فقط، ورفع الحظر عن بعض الأسلحة الموردة للمعارضة، لكنه أبقاه على أهمها، وأوباما كان واضحاَ أمام الملك، التقارب مع إيران خيار استراتيجي، وواشنطن تتعهد بمنع طهران من امتلاك السلاح النووي وتتعهد بالدفاع عن السعودية إذا ما تعرضت لهجوم إيران، بخلاف ذلك، لا تعهدات أمريكية للسعودية ولا قبل بسياساتها في العراق وسوريا ولبنان.
- هناك معلومات عن قنوات اتصال خلفية مع طهران، لم يعرف بعد أين وصلت ولا كيف ستنعكس على الموقف السعودي من الأزمة السورية.
قطر:
- سجلت قطر تراجعاً في وتيرة انخراطها في مجريات الأزمة السورية، بعد التغيير الذي حصل في الدوحة، وبعد نجاح السعودية في استعادة زمام الملف السورية وبسط سيطرتها على المعارضة
- لكن قطر ما زالت تمول جماعات إسلامية (الإخوان بخاصة) ووحدات من الجيش الحر وغيرها من الفصائل المسلحة
- لا تغيير في الخطاب القطري حيال الأزمة السورية وسبل حلها، هناك تغيير في "نشاطية" قطر على هذا الصعيد، التراجع واضح وملموس
- قطر تتقارب مع إيران ومع حزب الله، رداً على الخلاف المندلع مع السعودية والإمارات، وهذا سيملي وإن بعد حين، تغييراً ما، في مقاربة الدوحة للأزمة السورية
- هناك معلومات عن رسائل وعروض وجهتها الدوحة لدمشق، لتهدئة العلاقات، لم تقابل برد إيجابي من النظام السوري، ما دفع الدوحة لمواصلة مواقفها السابقة
- قطر باتت مقتنعة أكثر من أي وقت مضى، بتعذر فرص الحل العسكري، والحاجة لحل سياسي، ما زالت تتحدث عن تغيير الأسد، لكنها لم تعد الطرف الأكثر نشاطاً في العمل على إسقاطه.
مسار الحل السياسي ومستقبل جنيف 2
- لن يكون ممكناً عقد مؤتمر جنيف من جديد من دون توافق روسي أمريكي، وهذا التوافق يبدو متعذراً في المدى المنظور، للأسباب التالية:
o تداعيات الأزمة الأوكرانية، وعودة التوتر للعلاقات ما بين القطبين
o رغبة الولايات المتحدة في إحراز تغيير في ميزان القوى على الأرض من أجل تحقيق مكاسب في المفاوضات
o التأثير المتنامي لحلفاء كل الدولتين الكبريين على قرارات وتوجهات البيت الأبيض والكرملين، السعودية تضغط على واشنطن، ومعها عدد من الدول العربية والأوروبية (فرنسا) والإقليمية (تركيا) لاتخاذ مواقف أكثر تشدداً من نظام الأسد ... إيران تضغط على روسيا من أجل اتخاذ مواقف أكثر حسماً من حليفهما المشترك
o تباين الأولويات بالنسبة لكل من موسكو وواشنطن في النظر لسوريا، موسكو تعتبر الأزمة السورية واحدة من أهم الأزمات الدولية المعاصرة، واشنطن تضعها في مرتبة رابعة أو خامسة، موسكو تنظر إلى الإرهاب بوصفه الهدف الرئيس لأي حل سياسي، واشنطن تضع تنحي الأسد بوصفه عاملاً مساعداً في محاربة الإرهاب، واشنطن تريد النظام بلا أسد، موسكو غير متأكدة بأن النظام سيقبى إن سقط رأسه.
-
من دون حل النزاع الروسي – الأمريكي سيصعب الحديث عن مؤتمر جنيف جديد أو عن حل سياسي للأزمة السورية
-
من دون توافق سعودي – إيراني يصعب الحديث كذلك عن حل سياسي للأزمة السورية، وهذا التوافق إما أن يأتي بمبادرة من طرفي الصراع، أو يفرض عليهما في حال تبلور إرادة دولية مشتركة بحل سياسي، وكلا العاملين غير متوفرين حتى اللحظة
-
لذلك يعتقد أن مسار الحل السياسي ما زال بعيداً، وهناك استحقاقات يجب أن تحصل قبلاً، منها اتضاح مالات الأزمة الأوكرانية، ومنها انتهاء محادثات طهران مع مجموعة 5 +1، ومنها اتضاح نتائج التغيير الأخيرة في القيادة السعودية (إقصاء بندر، ترقية مقرن وغير ذلك مما هو منتظر.
-
من الآن، وحتى نهاية الصيف المقبل، من المتوقع أن تمر الأزمة بحالة من الجمود السياسي، سيقابلها تصعيداً ميدانياً، يبدو أنه لن ينتهي بانتصار حاسم لأي من الفريقين، المرجح أن يظل الوضع على حاله لفترة قادمة.